حسن الخلق مع الناس وقصة الرسالة الأخيرة قصة تربوية للاطفال
ما زلنا مع قصص مكارم الاخلاق و حسن الخلق مع الناس وقصة اليوم بعنوان الرسالة الأخيرة وهي قصة تربوية نتمنى أن تنال رضاكم.
حسن الخلق مع الناس وقصة الرسالة الأخيرة
عدتُ إلى المنزل بعد الظهر، ولما وصلت إلى شارعنا رأيت ساعي البريد أمام منزلنا، فقلتُ بحسرة:
– وا أسفاه، لقد فاتني !
كنت أتابعه بعيني في هذا الجو الحارّ حتى اختفى عن الأنظار بخطوات بطيئة.
وعند دخولي إلى الحديقة كنتُ شارد الذهن بعض الشيء. فرأيت شخصا يركض نحوي محدثا ضجيج، فحدّقت فإذا سعاد، فسألت نفسي بقلق:
– تُرى هل علمت بما فعلتُ؟
ولم تقل شيئًا البتة، بل مضَت فاختفت في الشارع وهي تبكي، فناديتها بفضول:
– إلى أين أنت ذاهبة؟
لكنها لم تسمعني، فصرخت قائلًا:
– اذهبي أينما شئتِ، فمهما حصل فلا شيء يهمني.
خشيت أن تكون قد أخذتْ النقود وفرّتْ، فدخلت غرفة النوم فورًا، وعندما نظرتُ حولي عرفت أن والدي كان في المنزل، وأخذ النقود وخرج.
خرجت إلى الحديقة مرةً أخرى، وقد شعرت بالراحة والاطمئنان، وبينما كنتُ أجلس على الأُرْجُوحة جاءت والدتي:
– هل رأيت سعاد؟
– لقد خرجت إلى الشارع.
– هلا ناديت عليها؟
– لماذا؟
ماذا تريدين منها؟
– كنا سنقرأ كتابًا معًا.
– حسنًا.
ونزلتُ مِن على الأرجوحة، بحثتُ عنها في الشوارع طويلا، لففت الحي من أوله إلى آخره، وحول المدرسة أيضًا، فلم أجدها، وسألتُ العمّ مصطفى البقال، فقال إنه لم يرها.
ولما رجعت إلى المنزل قابلتُ والدي، فرأيته يحدّق في نقطة معينة، وهو يغمغم محدثًا نفسه:
يا إلهي من أخَذَها ؟
مَنْ مِنَ الممكن أن يأخذ النقود من حقيبتي؟
عندما سمعت صوت بكاء والدتي عدتُ لصوابي.
والدي:
– لقد اقترضتُ هذه الأموال من أجل سداد ديني، وعندما سلمتها للدائن، أخبرني بأن هذه الأموال ناقصة !
– جن جنوني، ماذا أفعل الآن؟
من أين سآتي بالمال؟
أمي وهي تبكي:
– لا أعرف يا سيدي لم أكن في المنزل، كيف لي أن أعرف أخذها ؟!
من فتحتُ الباب ببطء، فقام والدي وتركنا وهو يقول:
– علي أن أتوضأ، وإلا فسأَجَنُ.
عندما رأتني والدتي قامت من مكانها بغضب، وسألتني:
– هل تعلم أين سعاد؟
لا لم أجدها، ولم يرها أحد قط.
في تلك اللحظة انتبهتُ إلى والدتي، وقد بدا عليها الحزن والتعب الشديد، قلتُ لها :
– ما الذي حدث يا أمي؟ تبدين حزينةً جدًّا؟
نظرت إلى وجهي نظرةً ذات مغزى، وقالت:
– لقد فقدنا بعض أموال والدك، لكن لا أعلم كيف حدث ذلك!
اغتنمت الفرصة وقلتُ على الفور :
– أليس من الممكن أن تكون سعاد هي من أخذها؟!
ساد الصمت فترة من الزمن ونظر والداي إلى بعضهما، ثم قال والدي:
– تعالوا نُلْقِ نظرةً على غرفتها.
تذمرت والدتي من تصرف والدي؛ فقد فتّش جوانب الغرفة الصغيرة كلّها وقلبها رأسًا على عقب، وقالت:
– هي لا تفعل هذا.
ثم وجهت نظراتها إليَّ.
تابع حسن الخلق مع الناس وقصة الرسالة الأخيرة
نظرتُ إلى والدتي التي تجمدت قسمات وجهها من الدهشة، ما زالت غير مصدقة.
– هل يمكن لسعاد أن تفعل شيئًا كهذا؟
حدث ما حدث، وانتهى الأمر ، لقد اتبعتُ الشيطان؛ سرقت، واتهمت سعاد ظلمًا، ثم ارتفع النداء لصلاة العصر، فهدأ والدي قليلًا، وبينما كان يرتدي سترته قال:
– أنا ذاهب إلى المسجد.
وقبل أن يغادر التفتَ إليَّ وسألني:
– أين سعاد؟
منعني شعوري بالذنب من إجابته، فبقيت صامتًا، وأراحتني والدتي عندما تدخلت قائلةً:
– ستأتي بعد قليل.
والدي:
– عندما تأتي سنعلم ماذا فعلت بتلك النقود.
وجدت والدتي عند طرف السرير ظرفًا مفتوحًا، فجعلت تقلبه بين يديها، كان مكتوبًا عليه اسم سعاد لكن لم يكن فيه شيء.
يبدو أنّها وصلتها رسالة أخرى، لكن لم نكن نفهم كثيرًا مما يجري من حولنا وقتئذ.
كنا ننتظر مجيئها ونحن على أحرّ من الجمر، يا ترى ما الذي سيحدث عندما تأتي؟!
حل المساء ولم تأت فذهب والدي إلى موقف السيارات ليسأل عنها، ولما عاد علمنا أنها فرّتْ إلى قريتها.
بدأتُ أفكر وأنا أُحدّث نفسي :
– ليس لديها نقود، وليست هي من سرقتْ تلك النقود، فأنا الذي فعلتُ تلك الفعلة…
فكيف إذا ذهبَتْ إلى القرية؟
وفيما بعد مرّ بخاطري أنها من الممكن أن تكون قد طلبت من سائق سيارة القرية أن يوصلها إلى أمها وأبيها فلم يخذلها.
لقد غادرت سعاد منزلنا بطريقة أو بأخرى، وبسبب الافتراء الفظيع الذي اتهمتها به كان والداي يعتقدان أن سعاد سرقت النقود وهربت، لكنني حتى الآن لم أستطع أن أفهم: لم تركت هذه الفتاة البريئة المنزل فجأةً دون أن تخبر أحدًا!
يا ترى ما هو سبب تلك الرحلة الغامضة المفاجئة؟
لعلّ ساعي البريد قد أحضر لها خبرًا مهما في تلك الرسالة !
غمرني شعور بالضيق، وكأن سحابة مظلمة قد أطبقت على صدري، وهي تصرخ في وجهي:
– ماذا فعلت؟!
لقد ارتكبت إثمًا كبيرًا.
لم أستطع أن أبوح بالحقيقة لأحد على الإطلاق.
جلس والداي في الحديقة حتى وقت متأخر، أما أنا فكنت أحاول أن أنام، ولكنني لا أستطيع، كنتُ أتقلب في سريري يمينًا ويسارًا، وأرِقتُ فلا يأتيني النوم ، وبسبب تلك المعاناة أصبحت ملابس النوم مبللة من كثرة العرق.
كانت تحيط بي نيران الندم، وأنا أسمع صوت ضميري يناديني مؤنبا :
– ما كان ينبغي أن تفعل ذلك !
كنت أنهض من الفراش وأخرج إلى الحديقة لأشرح لهم، وكلما وصلت الباب يراودني شعور ممتزج بالخوف يجعلني أتراجع، مرةً تشجعت وفتحت الباب قليلًا، كان والداي يجلسان على ضوء المصباح الأصفر يتحدثان:
والدي:
– لم أفهم أبدا، كيف تفعل سعاد شيئًا كهذا؟
كانت والدتي تشعر بحزن شديد كما لو أنها فقدت أحد أبنائها :
– أنا أيضًا لم أفهم ذلك، لكن ها هي قد فعلت… حاولت أن أتقدم لأخبرهما ولكن لم أستطع، جاء صوت صراخ من داخلي:
– لا إنها ليست مذنبةً أنا الفاعل، أنا من سرق النقود…انتصب والدي واقفًا وقال:
لقد تأخر الوقت، علينا أن ننام.
والدتي:
– اسأل سيارة القرية غدًا لنطمئن بأنَّها وصلت إلى القرية بسلام.
زال غضب والدي، لقد حزن كثيرًا هو أيضًا لهذا، وقال: حسنًا، سأسأل غدًا.
عدتُ إلى غرفتي كي لا يروني.
لا أدري إن كان والدي قد سأل سيارات القرية أم لا، لكنني أضربت عن الطعام
والشراب، وكنتُ أتجول وحدي لعدة أيام، وكأن نارًا تتأجج في داخلي، وكأن لهيب هذه النار يحيط بجسدي، ورغم إصرار أصدقائي عليَّ لألعب معهم؛ لكني لم أتمكن من اللعب، خاصةً أني لم أستطع أن أبوح بما فعلت لأحد أبدًا.
هكذا مرت الأيام والأسابيع، ومنذ اليوم الذي اتهمت فيه سعاد بالباطل لم أذق طعم الراحة، ولم يعد يسعدني شيء، فلا أبتسم ولا أمازح أحدًا كما كنت من قبل، لقد كنت أشعر في داخلي بندم لا يُوصف.