رجال حول الرسول عبد الله بن مسعود رضى الله عنه الماهر بالقرآن

رجال حول الرسول

رجال حول الرسول عبد الله بن مسعود رضى الله عنه

يسعدنا أن نقدم لأطفالنا سلسلة قصص بعنوان رجال حول الرسول وشخصية اليوم هو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

في الميعاد المحدد جلس الأبناء داخل حجرة مكتبة « الشيخ إسماعيل » الذي كان يجلس أمامهم وينظر إليهم في حب وحنان ويقول :
أرجو ألا أكون قد أرهقتكم في حديثي معكم خلال الأيام الثلاثة الماضية، وإن شئتم لنجعلها يوما ويوم.
قال عبد الله نيابة عن الجميع: لا.. والله إنا لنستمتع بحديثك وننتظر بشوق ورغبة اليوم التالي ونتمنى أن يمضي الوقت سريعا لنجلس هنا فلا تحرمنا من هذه المتعة.
قال الشيخ:

وهو كذلك يا أبنائي، والآن حديثنا عن صحابي جليل قرأ القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم فبکی..

وأخذ الشيخ يتحدث ساعة كاملة فماذا قال؟

ضعيف الجسم قوي الإيمان

أبنائي وأحبابي..

إن من نتحدث عنه رجل يندر أن يجود الزمان بمثله وهو سادس ستة أسلموا على وجه الأرض منذ بعث النبي بالإسلام.

وكان من المستضعفين في الأرض قصير القامة.. ضئيل البدن لا يستطيع أن يرفع رأسه أمام جبابرة قريش.

ثم حدثت المعجزة وأسلم وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.. فماذا حدث؟

صار قويا بإيمانه..

معتزا بإسلامه لا يخاف في الله لومة لائم، وانتقل من رعاية الغنم لسيد من سادات قريش هو عقبة بن أبي معيط إلى خدمة سيد الخلق والأمم الرسول المصطفى.

وقد لازم النبي صلى الله عليه وسلم ملازمة الظل لصاحبه، يوقظه إذا نام، ويستره إذا اغتسل، ويلبسه نعليه إذا أراد الخروج ويخلعهما من قدميه إن أراد الدخول، ويحمل له عصاه وسواکه ووضوئه فضلا عن هذا كله يا أبنائي أنه كان الوحيد الذي يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم في أي وقت حتى كان يلقب « بصاحب السوار » أي صاحب السر.

يقول عنه أبو موسى رضي الله عنه: لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وما أرى إلا ابن مسعود من أهله..

نعم يا أبنائي..

الراعى الأمين

إنه ابن مسعود الصحابي الجليل صاحب الجسم الضئيل الذي اشتهر بين الناس « بابن أم عبد».

أما عن قصة إسلامه فلنسمع ابن مسعود وهو يرويها بنفسه كما جاء في سيرته العطرة قال:

« کنت غلاما يافعا أرعى غنم عقبة بن أبي معيط، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يوما وهما في شدة الظمأ… فقالا لي: يا غلام هل عندك ما تسقينا؟

قلت: إني مؤتمن لست ساقيكما.. فعجب النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: هل عندك شاة؟

قال: نعم .. ثم أتي بها.

فأمسكها النبي صلى الله عليه وسلم ومسح الضرع ودعا ربه وسمى الله فإذا بالضرع يفيض باللبن فشرب النبي وأبو بكر، ثم سقياني معهما، وأنا لا أكاد أصدق ما أرى..

ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لضرع الشاة: انقبض فعاد كما كان..

فقلت للنبي صلى الله عليه وسلم: علمني من هذا القول الذي قلته.

فقال لي: إنك غلام معلم.

أول من جهر بالقرآن

تلك يا أبنائي هي البداية لهذا الصحابي مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما أسلم تعددت مواقفه العظيمة فهو أول من جهر بعد النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن في الكعبة وهذه هي القصة:

اجتمع أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقالوا: والله ما سمعت قریش هذا القرآن يجهر لها به قط فمن رجل يسمعهم إياه؟
فقال في شجاعة: أنا.

قالوا: لا.. نريد رجلا له عشيرة من القوم يمنعونه من القوم إن أرادوا به شرا.

قال بإيمان: فإن الله سيحميني.

وذهب عند المقام ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم: (الرَّحْمَنُ . عَلَّمَ الْقُرْآنَ . خَلَقَ الْإِنْسَانَ . عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) [ الرحمن :1-4].

فقالوا: ماذا يقول ابن أم عبد؟

قال بعضهم: إنه يتلو بعض ما جاء به محمد فقاموا وضربوه وهو يستمر في القراءة ما شاء الله حتى تركوه والدم يسيل منه.

فقال له أصحابه: هذا ما خشيناه عليك.

قال: والله ما كان أعداء الله أهون في عيني الآن وإن شئتم أن أفعل كما فعلت اليوم غدا.

فقالوا: لا.. يكفيك لقد أسمعتهم ما يكرهون.

صاحب الصوت الجميل

وكأنما أراد الله له بهذا العمل أن ينعم عليه بنعمته وفضله فكان صوته جميلا حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: « من أحب أن يقرأ القرآن غضا کما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد ».

وفضلا عن حلاوة صوته كان يتصف بغزارة العلم وقال عن نفسه: والله ما نزل من القرآن شيء إلا وأنا أعلم في أي شيء نزل ولا أعلم أحدا يمتطى إليه الإبل أعلم بكتاب الله إلا أتيته وما أنا بخير كم».

وقد بلغت منزلة عبد الله بن مسعود يا أبنائي درجة عالية حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إليه وقال: يا ابن مسعود اقرأ على القرآن.

قال متعجبا: أقرأ وعليك نزل!

قال: نعم، إني أحب أن أسمعه من غيري…

وأخذ ابن مسعود يقرأ من سورة النساء حتى وصل لقوله تعالى: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا) [النساء: 41].

فنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا به يبكي ويقول: حسبك يا ابن مسعود.

إن ابن مسعود يا أبنائي رغم ضالة جسده شارك في جميع الغزوات وتفرغ للدعوة والحديث بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم.

يحفظ القرآن عن ظهر قلب

وحدث مرة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما كان ابن مسعود أميرا على الكوفة أن رجلا جاء إلى عمر بن الخطاب يقول: جئت لك من الكوفة وترکت رجلا يملي المصاحف عن ظهر قلب.

فغضب عمر وهو يقول ويحك من هو؟

قال: عبد الله بن مسعود.. فما زال الغضب يزول عن عمر وهو يقول: والله لا أعلم أنه بقي من الناس أحد أحق بهذا الأمر منه وسأحدثك عن ذلك..

بينما أنا والنبي وأبو بكر نتشاور في أمور المسلمين خرجنا فإذا رجل قائم يصلي لم نعرفه فوقف النبي صلى الله عليه وسلم يستمع إليه ثم قال:

“من سره أن يقرأ القرآن رطبا کما نزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد”.

ثم جلس ابن مسعود يدعو والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: « سل تعط.. سل تعط»..

فقلت لأذهب إليه وأبشره فوجدت أن أبا بكر سبقني وما سبقته إلى خیر قط.

الرحيل

هذا وقد عاش ابن مسعود حتى خلافة عثمان، فلما مرض مرض الموت جاءه عثمان بن عفان رضي الله عنه عائدا.

فقال له: مم تشتكي؟

قال: ذنوبي .

فقال عثمان: فما تشتهي؟

قال ابن مسعود: رحمة ربي.

فقال عثمان: آمر لك بعطائك الذي امتنعت عن أخذه من سنين؟

قال: لا حاجة لي به.

فقال عثمان: يكون لبناتك من بعدك..

قال ابن مسعود: أتخشى على بناتي الفقر إني أمرتهن أن يقرأن كل ليلة سورة الواقعة .

وإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “من قرأ الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا – أي الحاجة والفقر”.

ولقد مات ابن مسعود يا أبنائي وهو ابن بضع وستين سنة وصلى عليه المسلمون وعلى رأسهم الزبير بن العوام، ودفن بالبقيع رضي الله عنه وأرضاه ورحمه رحمة واسعة .

مسابقة القرآن الكريم الماء في القرآن والسنة

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال